المقدمة من رواية «على صِراطٍ مُسْتقِيم»
بِسْم اَللَّه يَقُول تَعالَى فِي سُورَة طه فِي الآية 124
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ)
لا تجعل الروايات تلهيكم عن ذكر الله، وتذكروا دائمًا (الذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ).
لا خَيْر فِي قُراء لِلروايات تَارِك لِكتاب اَللَّه الصَّلَاة ثُم الصلَاة أَحبتِي فِي الله.
بسم ﷲ نبدأ…
حَيَاتنَا عِبارة عن شَبكَة عنْكبوتِ تَغزُّل فِيهَا اَلخُيوط، لِتكوُّن قِصص وأحْدَاث لَرُبمَا تَكُون مُتشابهًا أو مُختلفَة، فماذَا لَو تَشبكَت كُلُّ تِلْك اَلخُيوط وَلفَت حَوْل أعْناقنَا بِقسْوة شديد؟ لَا يُوجد فِيهَا فِرق بَيْن الظَّالم ولَا المظْلوم لِنكونَا كُلنَا مُجرَّد دُمى تَتَحرَّك على مَسرَح الحيَاة.
هل وَقفَت يَوْم حَائِر بَيْن طريقَيْنِ يَصعُب عليْك اخْتيار أَحدُهم والْإكْمال فِيه قَبْل أن تُجْبِر على سَيْر فِي أَحدِهم ولَا تَعرِف مَا نِهايَته؟ مَاذَا لَو اِنْعكَستْ كُلَّ المفاهيم لِيكون اَلشَّر خيْرًا والْخَيْر شرًّا؟ هل سُمعَت عن نِهاية سُطرَت قَبْل البدْء مِن الأسَاس؟ لا تَستغْرِب عَزيزِي القارئ سَتكشِف فِي قِصَّتنَا كَيْف يَكُون هذَا.
* * * *
يَقُول ﷲ تَعالَى فِي سُورَة الزُّمر فِي اَلآيَة 53
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).
جَلسَت على سجْدتهَا تَردُّد اَلآيَة بِخشوع شديد، بدأتْ دُموعَهَا تَأخُذ مَجْرَها على وجْنتيْهَا هل سَيغفِر اَللَّه لَهَا ذنْبهَا، رَجعَت بِذاكرتهَا لِلْخلْف عِنْدمَا كَانَت تَعمَل مُمرِّضة بِإحْدى المسْتوْصفات وكانتْ شَابَّة فِي مُنتَصَف عقْدهَا الثالث عِنْدمَا جَاءَت تِلْك السَّيِّد لِتَضع موْلودهَا الأوَّل.
* * *
في غُرفَة العمليَّات صَوْب نَظرِه نَحْو تِلْك النَّائمة على سرير العمليَّات بَيْن الحيَاة والْمَوْتِ تَصارَع للبقَاء على قَيْد الحيَاة، يُحَاوِل اِتِّخاذ قَرَار سريع بِألا يَقُوم بِإجراء العملية لهَا وِيؤثر نفْسه، وهنَا يَضرِب بِضميره عُرْض الحائط أو يَقُوم بِإجرائها ويعاملها كأي مَرِيضَة. ضَغْط على عيْنيْه بَبطئ شديد بَعْد اِتِّخاذه القرَار الحازم اَلذِي سيقلِّب حياته رأْسًا على عُقْب.
* * *
تَركُض بِسرْعة كَبِيرَة محاولة أن تَسبِق الرِّيَاح رَغْم كُل الآلَام اَلتِي تَغزُو أَسفَل بطْنهَا، تنظُر خلْفهَا فِي ذغر شديد تَوقفَت قليلًا لِتلْتَقط أَنفُسها بعْدمَا قرارْتْ بدء حيَاة جديدة بعيدًا عن اَلجمِيع، لِيشدِّد القبْض فَوْق كَتِفهَا لِتنْتَفض بُذغُر شديد هل هُدمَت أحْلامهَا بِبساطة.
* * *
فِي إِحْدى اَلقُرى الصَّغيرة قَلِيلَة السُّكَّان اَلتِي تُحيط بِهَا الجبَال كمَا يُحيط السوار بِالْمعْصم، تَجلِس مَجمُوعة مِن النِّسَاء تَحْت الشَّجَرة يتبادلن أَطرَاف الحديث فِي جوٍّ يَكسُوه الْمحبَّة، رَغْم الظُّروف الصَّعْبة اَلتِي تَمُر بِهَا كُل وَاحِدة مِنْهنَّ، فُلَانَة أَنجَبت وَأُخرَى خُطبَت، وثانِية تزوجَت، يقصُصن الأحديث السَّعيدة، إِلى أنَّ جاء الخبر الصَّادم اَلذِي سَيحُول حياتَهنَّ إِلى جحيم.
* * *
يَقِف بِصحبة زَوجَتِه فِي أحد الأسْواق المخصَّصة لِبَيع مَلابِس الأطْفال، يشْترون الملابس لِطفْلِهم القادم بَعْد شهْريْنِ مِن الآن يتبادلان الآرَاء حَوْل اِختِيار اللَّوْن المناسب، صَدْع صَوْت رنين هاتفه لِيأخذه مِن جيب بِنْطاله ومن إن رأي اسم اَلمُتصل حَتَّى دق قَلبِه كطبول تقرَع مُعلَنَة قِيَام حَرْب، نَظرَت لَه زَوجَتِه فِي اِسْتفْهام مُحَاولَة مَعرِفة هُويَّة اَلمُتصل لِيرْفع رَأسَه وَيردِف مُحَاوِل السَّيْطرة على إِنفعلاته مَكْالَمة مُهمة ثانية وأجي، هزت رأْسهَا بِودِّ وَحُب بيْنمَا تَراجَع هُو لِلْخلْف لِلْخروج والْإجابة أَعَاد الاتِّصال ورفْع الهاتف نَحْو أُذُنه.
* * *
يجلِس خَلْف مَكتَبِه بَأَرهق شديد مُحرِّك رَأسِه يمين وَيَسار مُحاوِلا طَرْد النُّعَاس مِن عيْنيْه، رفع كوب القهْوة لِيرْتَشف مِنهَا قليلًا لَعلَّهَا تُساعدهَا فِي بَقَاء مُسْتيْقظًا، نظر فِي سَاعَة اَلتِي تُحيط مِعصَمه زفر بِحَنق فهذه لَيسَت المرَّة اَلأُولى اَلتِي يَتَأخَّر فِيهَا مُقرِّر وَضْع حدِّ لَه.
* * *
أَخذَت تَنظف القصْر مُلْقِيه بِسمْعِهَا هُنَا وهناك تَستَمِع لأحاديث القاطنين بِهَا، فتضحك مع ضِحْكتِهم تَارَة، وَتلطِم خدَّيْهَا تَارَة أُخرَى وبالْأخصِّ عِنْدمَا دار اَلحدِيث حَوْل سَيدَة القصْر اَلأُولى لِتشْهق بِصَوت مُرْتَفِع عِنْدمَا سَمعَت ما تْفوه بِه اَلحفِيد الأصْغر لِهَذه العائلة المرْموقة، اهْتز جَسدُها بِرعْب عِنْدمَا نهرهَا أَحدُهم لِتهرْول فِي اِتِّجاه المطْبخ بِسرْعة، وَضعَت يَدهَا على قلْبهَا وَهِي تَمتَم بِخفوت شديد مَا اِسْتمَعتْ لَه صحيح؟ لِتشْهق مِجدَاد فِي رُعْب شديد.
* * *
يقف في غُرْفته يَنظُر إِلى قَطَرات الأمْطار اَلتِي تَتَسابَق للسقوط، هَا قد مر عِشْرون عامًا على فِراقِهَا مُتذكِّرًا كلَّامهَا أن لَيْس كُل سُقُوط يكون نهاية، هُنَاك سُقُوط يكون بِداية جَدِيدَة كسقوط الأمْطار، تزاحمَت الأفْكار فِي رَأسِه، أَغمَض عيْنيْه بِتَعب شديد فِي مُحَاولَة يَفشَل فِيهَا كُلُّ مَرة فِي تَناسِي مَا حدث معه.
* * *
كل تلك الأحداث من الحلقات القادمة
بقلم:- هاجر حُسين عثمان
الحلقة الأولى *
من رواية « على صراطٍ مستقيم»
بسم الله
يقول الله تعالى في سورة طه في الآية 124
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُۥ يَوْمَ ٱلْقِيَٰمَةِ أَعْمَىٰ)
لا تجعل الروايات تلهيكم عن ذكر الله وتذكروا دائما
(الذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ ٱللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ ٱللَّهِ تَطْمَئِنُّ ٱلْقُلُوبُ)
لا خير في قراء للروايات تارك لكتاب الله
الصلاة ثم الصلاة أحبتي في الله
بسم الله نبدأ
*****
فتاة ذاتِ السابعَ عشرَ عامًا تمسكَ بفرشتها، تمشطَ خصلاتها الذهبيةَ، تقسمَ شعرها إلى نصفينِ، تعقدهما جدائلها تتمايلُ معَ الرياحٍ فبدتْ كأنها سنابلَ قمحٍ تتراقص، نظرتَ لنفسها بفرحِ لتطلقَ صافرةً منْ فمها كعلامةِ إعجاب بنفسها، اهتز جسدها الظئيلْ برعبٍ منْ صوتِ والدها خرجتْ تلبي ندائهِ بسرعةِ خوفًا منْ بطشهِ
مصعبْ: – فينكْ يا بنتْ فينكْ تعاليَ هنا.
إيلينْ: – نعمْ نعمُ يا بابا.
مصعبْ: – أمكَ فينْ؟
إيلينْ: – راحتْ تزورُ الستَ عزيزة عشانِ ولدها خرجَ منْ المستشفى.
مصعبْ: – أممممْ اقعدي.
جلستْ إيلينْ برعبِ متفحصة ملامحَ وجههِ التي تقطرُ سعادةَ، طاقةِ القدرِ وأتفتحتْ لكَ يا بنتْ، لتطالعَ أباها باستغرابْ شديد
فاكرة ابنُ عمي علي ؟؟لتهزَ رأسها بالإجابة، طلب أيدكَ وعايزْ يجوزكْ لابنهِ.
****
تجلس على سريرها غيرُ قادرةٍ على الحركةِ بسببِ كسرٍ في ساقها اليمنى بعدَ قيامِ أحدِ السائقينَ المتهورينَ بدعسْ رجلها مساءَ يومِ الثلاثاءَ الماضيَ، حاولتْ النهوضَ منْ مكانها في أثناءِ ذلكَ دخلتْ زوجةَ ابنها الأكبرِ أميرةَ
أميرةٍ وهيَ تسرعَ خاطها نحوَ حماتها لتسندها، مردفة :ليهُ بتتحركيْ ما سمعتيشْ كلامُ الدكتورِ قالكَ ما تتحركيشْ لأسبوعينِ.
حركتْ نفيسة رأسها بحزنٍ كبيرٍ وهيَ تربت على ظهرِ أميرةٍ وندمٍ يأكلها معلشْ يا بنتي تعبتْ منْ النوم، ابتسمتْ لها أميرةٌ وأردفتْ بحبٍ وصدقٍ نابعٍ منْ قلبها تعالي نقعدُ في الجنينةِ برهِ، تحركا معًا تجاهِ البابِ الخارجيِ.
أجلستْ أميرةَ أمِ زوجها على الكرسيِ بينما جلبتْ لها كرسيٌ آخرُ لرفعِ رجلها ودلفتْ للمطبخِ لتحضيرِ عصيرٍ طازجٍ منْ حبات الفراولةِ.
****
حلَ المساءِ سريعًا تنظرُ لنفسها في المرآةٍ بسعادةٍ كبيرةٍ كأيَ عروس في يومِ زفافها، اليومِ ستزفْ لابنَ عمها وحبيبْ طفولتها، وضعتْ يدها على قلبها الذي تقسمُ بأنهُ يودُ الخروجُ منْ قفصها الصدريِ، تشعرُ بنفسها كأرض جائتها سنوات، عجاف واليومِ حانَ موعدُ الغوثِ لتروى روحها بحبهِ وعشقهِ تنفستْ لتحاول تهدئةَ نفسها، في حينِ فتحَ بابُ الغرفةِ لتطلَ منهُ آياتِ ابنةَ عمها وأختٍ منْ سيعقدُ قلبها بقلبهِ.
آياتٍ بإعجابٍ: – ما شاءَ اللهُ قمرَ يا نعمةُ قمرِ يا بختهْ بيكي عمر.
ابتسمتْ نعمةً في حبِ يا بختي بيهْ أنا.
آياتٌ: – كانتْ تودُ أن تتكلمَ لوْلا مقاطعةِ أمِ نعمةٍ لها وهي تقتربَ منْ إبنتها تحتضنها بحبٍ شديدٍ، ملقيةٍ على مسامعها الوصايةِ العشرةِ كأيَ أمْ في يومِ كهذا تأبطتْ ذراع والدتها ووالدها استعداد للنزولِ لأسفلَ لتغادْر برفقةَ زوجها.
في صالونِ الحلاقةِ كانَ عمرْ يضعُ رشاتْ منْ عطرهِ متأهبٍ للمغادرةِ لأخذِ عروستهِ، يشعرُ بدقاتِ قلبهِ تتعالى كطبول تقرعُ استعداد لقيامِ حربٍ تقودها المشاعرُ المفعمُة بالحبِ، استدارَ للأمامِ ليصطدمَ بابن عمهُ موسى وصديقُ طفولتهِ الذي هاجرَ البلادَ ساعيًا للحصولِ على ماجستيرٍ في الطب، جذبهُ عمر لحضنهِ كالشخصِ الذي رأيِ ماءٍ بعدَ ما حلُ بهِ اليأسُ في صحراءَ قاحلة، تبادلَ كلٍ من عمر وموسى الأحضانِ وبعد عدةِ أسئلةٍ حولَ الحالِ والأحوالِ وصلتْ سيارةَ العريسِ التي ستزفهُ للبيوتي سنتر لأخذِ عروستهِ، وأخيرًا وصلَ العروسينِ لقاعةِ الأفرح وجلسا على الكوشة وكالعادةِ انهالت عليهمْ المباركاتِ من الجميع، منْ بين كلِ تلكَ الناسِ كانتْ تجلسُ في آخرٍ القاعةِ تجمعتْ الدموعُ في مقلتها هيَ منْ حلمتْ بهِ وكبتت حبها في قلبها لتحظى بهِ في الحلالِ؛ لكنَ حظت بهِ غيرها لعل في كلِ هذا خيرٌ تمتمتْ بهِ ود لتهدى نيرانُ قلبها دعتْ لهُ بالسعادةٍ منْ قلبها وأنْ يكونَ لها هيَ أيضا السعادةَ معَ غيرهِ، أغمضتْ عينها محاولةَ كبتِ دموعها تحركت منْ مكانها لغسلِ وجهها حتى لا يلاحظ أحدُ دموعها، مرتْ ساعاتِ العرسِ بسرعةِ كأي عرس انطلقتْ أولَا سيارةٍ العروسينِ متجه نحوَ الفندق ومنْ خلفهمْ سياراتُ العائلةِ وأخيرا وصلوا الأوتيلٌ انحنى عمرْ ليقومَ بحملِ عروستهِ متجها لغرفتهم، فورَ وصولهِ أنزلها وفتحَ بابُ الغرفةِ أمسكَ بيدها ليدلفا سويًا.
عمر بحبٍ يلا غيري هدومكْ عشانِ نصلى ونأكلُ امتثلت نعمةً لكلامه بينما اتجه عمر للحمامِ الثاني بدلَ ثيابهِ وجلسَ بالصالونِ منتظرا نعمةً بعدَ مرورِ ربعِ ساعةٍ خرجتْ نعمةً بخجل، أمسكَ عمر يدها بحبٍ يقبلها وقفُ أمامها وشرعَ في أداءِ الصلاةِ وبعدَ إتمامهم الصلاةَ وضعَ يدهِ على رأسها اللهمَ إني أسألكُ منْ خيرها وخيرُ ما جلبتْ عليهِ وأعوذُ بكَ منْ شرها وشرُ ما جلبتْ عليهِ ) لتبدأ ليلةً يقودها الحبُ.
*****
تقفُ مريمْ التي تجاوزتْ نصفَ العقدِ الرابعِ منْ عمرها ( 45 سنةٍ ) لتعدّ وجبة العشاءِ بسعادةِ لزوجها وهيَ ترددُ كلماتِ تلكَ الأغنيةِ التي حفظتها عنْ أمهِ لابنها ذو الثمانية أشهرٍ، وأخيرًا ذاقتْ السعادةُ بعدَ المعاناة التي عاشتها في صباها فهيَ تعيشُ حياةً هادئةً معَ زوجها الحنونِ ومنْ اللهِ عليها بابنها محمدْ لتكتملَ سعادتها، تتمتمَ في حبٍ تدعو اللهَ أنَ لا يحرمها تلكَ السعادةِ.
****
في قصرٍ اجتمعتْ كلَ العائلةِ حولَ طاولةِ الأكلُ يجلسُ في المقدمةِ ربِ الأسرةِ ماهر، وفي الكرسيِ المقابلِ لهُ تجلسُ زوجتهُ هنية، بينما يجلسُ على يمينهِ ابنهُ الأكبرُ رامزْ برفقةِ زوجتهِ نهى وابنتهُ ربابْ، وبجانبِ ربابْ تجلسُ ابنته الوحيدةَ فاتنْ بينما يجلسُ على يسارهِ ابنه الأوسط إبراهيمْ وبجانبهِ تجلس زوجتهُ تهانيَ وأبنائها الأربعَ مالكْ حمزة رؤوفْ وياسمين، يتبادلونَ جميعهمْ أطرافُ الحديثِ تعملُ الخادماتُ كخلية نحلِ تنقلِ وجبةِ العشاءِ على الطاولةِ، وفورَ الانتهاء منْ وضعِ الطعامِ أمسكَ الحاجُ ماهرٌ الملعقةِ وطرقِ بهِا على الطاولةٍ ليصمتَ الجميعُ، رفع كفيه يدعو اللهُ أنْ يديمَ عليهِ النعمةُ ويحفظها منْ الزوالِ ليمثله الجميعُ في فعلتهِ ويشرعوا في الأكل.
****
تجلسُ بينَ أوراقها المتناثرَة يمينًا ويسارًا فالإمتحانات شارفتْ على البدءِ طرقِ بابِ الغرفة
قمرَ بابتسامة: اتفضلَ ليدلفَ يزن ويجلسُ على الأرضيةِ مقابلاً لها،(أخاها الذي يكبرها بعشرةِ سنواتِ والذي تولى رعايتها منْ صغرِها عندما كانتُ في عمر ستَ سنواتٍ بينما هوَ في عمرِ ستةِ عشرَ عامًا عندما قررِ والديهما الانفصالِ، وزواجِ والدهمْ بأخرى رفضتْ تربيتهمْ وعندما علمتْ والدتهمْ بذلكَ رفضتْ أيضًا أنْ تربيهمْ، ليجدَ يزن نفسهُ مسؤول عنْ أختهِ الصغرى والوحيدةِ ليتخلَى عنْ حلمهِ بكليةِ الطبِ وبدأ في البحثٍ عنْ عمل ).
انتشلهُ منْ دوامةِ أفكارهِ السوداء صوتُ قمرِ وهيَ تشاكسهُ يعني أنتَ داخلُ عشانِ تسرح، رفعٌ يزنُ حاجبهُ الأيسرُ كنت جايْ أشوفكْ عملتيْ أيَ وكمانَ الوقتِ اتاخر نامي، أمسكتْ قمرَ يدهِ بحبٍ مردفة بصدقِ هحققْ حلمكَ وأكون دكتورةً قدْ الدنيا، لتترقرق الدموعَ في عينيها عارفةً أنكَ تعبتْ في تربيتي جداً وأنكَ سبت حلمكَ عشاني، قطعها يزنُ أنتَ بنتي يا قمرْ قبلُ ما تكوني أختي، جذبها نحوهُ مقبلٌ رأسها في حنوٍ شديدٍ لتهمسَ بصوتٍ هادئٍ ربنا يخليكَ ليا يا حبيبى.
* * * *
يقولَ اللهُ تعالى في سورةِ النبأِ (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا 10) خلقُ اللهِ الليلِ للراحةٍ منْ مشاقِ النهارِ وتعبهِ ولكنَ هناكَ منْ يكونُ الليلُ عندهُ كالنارِ تهاجمهُ كلُ ذكرياتهِ دفعة واحدةٍ يقولُ امرؤُ القيسْ: –
وليلَ كموجِ البحرُ أرخى سدولهُ … علي بأنواعِ الهمومِ ليبتلى
هناكَ منْ لا يستطيعُ النومُ بسببِ العشقِ الذي يكوي قلبهُ، وهناكَ منْ لا يستطيعْ النومِ بسببِ ذنبٍ اقترفهُ وترتبَ عليهِ دمارُ حياةِ أشخاصٍ، وهناكَ منْ يتذكرُ ماضيةً فتتساقطْ دموعهُ على وجنتيهِ كحباتِ مطرٍ تتساقطُ لترويَ أراضيَ صحراءَ قاحلةً، وهناكَ منْ بدءِ حياةٍ جديدةٍ.
رواية اثبات ملكيه الحلقه الثامنه